- كتب الحسن البصري الى عمر ابن عبد العزيز في ذم الدنيا كتابا طويلا فيه , اما بعد :
لدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٌ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَيْهَا عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا ، وَالْغِنَى مِنْهَا فَقْرُهَا ؛ لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا ، وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا ، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ ،فَاحْذَرْ هَذِهِ الدَّارَ الْغَرَّارَةَ ، الْخَتَّالَةَ ، الْخَدَّاعَةَ, وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا, فَسُرُورُهَا مُشَوَّبٌ بِالْحُزْنِ ، فَلَوْ كَانَ الْخَالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلا ، لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا زَاجِرٌ ، وَفِيهَا وَاعِظٌ ، فَمَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلا وِزْرٌ ، وَمَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِهَا وَخَزَائِنِهَا ، لا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا إِذْ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى اللَّهِ أَمْرَهُ ، أَوْ يُحِبَّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ ، أَوْ يَرْفَعَ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ ، فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِيَارًا ، وَبَسَطَهَا لأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا ، فَيَظُنُّ الْمَغْرُورُ بِهَا الْمُقْتَدِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا ، وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَدَّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ ،
myssaa كلام يتفطر منه القلب "متى رأيت نفسك تهرب من الأنس به إلى الأنس بالخلق ومن الخلوة مع الله إلى الخلوة مع الأغيار فاعلم أنك لا تصلح له" ابن القيم 4 juin 2013 17:41